رؤية الصحفيين بالمؤسسات الصحفية القومية لأساليب الفساد المالي والإداري السائدة في إدارة هذه المؤسسات وتصوراتهم نحو آليات ترشيدها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الاستاذ المساعد بقسم الصحافة بکلية الإعلام جامعة القاهرة

المستخلص

 
تستند هذه الدراسة في أهميتها على عدد من الإعتبارات والمنطلقات التي يمکن حصرها فيما يلي :
 
-        تزايد معدلات الفساد المالي والإداري في معظم مؤسسات الدولة، ومن بينها المؤسسات الصحفية القومية، الأمر الذي يترتب عليه کثير من المخاطر التي تهدد مستقبل هذه المؤسسات والعاملين بها، ومن ثم تقتضي الضرورة حتمية الکشف عن هذا الفساد وتوثيقه علميا والبحث عن آليات لمکافحته.
 
-        أن المؤسسات المملوکة للدولة، ومن بينها المؤسسات الصحفية القومية، هي من مؤسسات النفع العام ،المملوکة للشعب، ومن ثم فلابد على الجميع من العمل لحماية هذا المال العام والدفاع عنه .
 
-        يضاف إلى ذلک أن مواجهة الفساد ومکافحته، يعد أحد الضرورات القومية التي تبنتها ثورتا الشعب في يناير 2011، ويونيو 2013، باعتباره أحد أهم الشعارات والمطالب الرئيسية التي تبناها الثوار، من أجل بناء دولة جديدة قوامها النزاهة والشفافية والعدل ومواجهة الفساد والمفسدين .
انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها ما يلي :

أولا : فيما يتعلق بمدى اهتمام الصحفيين أفراد عينة الدراسة بمتابعة ما يدور حول قضايا وملفات الفساد المالي والإداري السائدة في المؤسسات الصحفية التي يعملون بها، فقد توصلت نتائج الدراسة إلى أن نسبة کبيرة جدا من الصحفيين، بلغت 77.6% من إجمالي العينة، التي بلغ قوامها (125 مفردة )، قد ذکروا أنهم يهتمون بمتابعة هذه القضايا والملفات إلى حد کبير، وذکرت نسبة 16.8% منهم أنهم يهتمون بمتابعتها إلى حد ما، في حين ذکرت النسبة المتبقية، والتي بلغت 5.6% أنهم لا يهتمون بمتابعة هذه القضايا على وجه الإطلاق  وتشير النتائج لى تزايد معدلات اهتمام الصحفيين العاملين في المؤسسات الصحفية القومية بمتابعة ما يدور حول قضايا وملفات الفساد المالي والإداري السائدة في هذه المؤسسات، وهي نتيجة تکشف في تحليلها الأخير عن تزايد حجم هذه الظاهرة في هذه المؤسسات، للدرجة التي أفرزت معها تزايد معدلات الوعي والاهتمام بها، إدراکا من الصحفيين لطبيعة وحجم التهديدات والمخاطر المترتبة عليها . والحقيقة أن تزايد معدلات الفساد المالي والإداري في المؤسسات الصحفية المملوکة للدولة، لا يمثل ظاهرة جديدة في تاريخ هذه المؤسسات، بل هي ظاهرة قديمة تمتد بجذورها إلى الستينيات من القرن الماضي، منذ قررت السلطة السياسية الحاکمة آنذاک تأميم المؤسسات الصحفية الرئيسية الکبرى .
وقد انتهت نتائج الدراسة الميدانية حول دوافع وأسباب اهتمام الصحفيين العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية بمتابعة ما يثار حول قضايا وملفات الفساد المالي والإداري السائدة بهذه المؤسسات، إلى مجموعة من النتائج المهمة يأتي في مقدمتها دافع أخلاقي يتمثل في " کونهم يرفضون الفساد بکافة صوره وأشکاله المختلفة "، وقد حظي هذا البديل بنسبة 80.5% من جملة تکرارات البدائل المطروحة، تلاه  " لأن الفساد المالي والإداري السائد بهذه المؤسسات يؤدى إلى استنزاف ثرواتها وإلى إفقارها وتراکم ديونها " بنسبة 78.8%، ثم " لأن الفساد المالي والإداري السائد في کثير من هذه المؤسسات يضر بمستقبل العاملين بها وبمستقبل هذه المؤسسات ذاتها" وقد حظي هذا البديل بنسبة 77.1%، تلاه " لأن هذه المؤسسات من مؤسسات المال العام التي يجب على الجميع الدفاع عنها وحمايتها " بنسبة بلغت 74.6%، ثم " لأن الفساد المالي والإداري أدى إلى تراجع أداء هذه المؤسسات على المستوى الاقتصادي والإداري " بنسبة 61.9% من نفس الإجمالي السابق، يليه " لأن الفساد السائد في بعض هذ المؤسسات يحرم العاملين فيها من فرصهم في الترقي والصعود الوظيفي " بنسبة 60.2%، ثم يأتي بعد ذلک " لأن تبعات هذا الفساد أثرت في المکتسبات المالية والأرباح المخصصة للصحفيين والعاملين بها"

بنسبة 55.9 %، وهي نتائج تؤکد على وجود مخاوف قوية واضحة وملموسة لدى أفراد هذه العينة من هذا الفساد وتداعياته المختلفة.

وبالنسبة لأهم صور وأساليب الفساد السائدة في إدارة هذه المؤسسات فقد انتهت نتائج الدراسة إلى أن المبحوثين من أفراد عينة البحث قد أشاروا إلى وجود کثير من مظاهر وقضايا أساليب الفساد المالي والإداري التي تشيع في المؤسسات الصحفية القومية، يأتي في مقدمتها – کما ذکر المبحوثون – " المبالغة في تقدير الحوافز والمکافآت والعمولات لبعض العناصر والقيادات داخل المؤسسة بما لا يتناسب مع طبيعة المهام المکلفين بها " بوزن نسبي بلغ (85 % )، تلاها في المرتبة الثانية " قبول الإدارة وتشجيعها لقيام الصحفيين بالعمل في مجال جلب الإعلانات " بوزن نسبي بلغ (81.9 % )، ثم يأتي بعد ذلک " تغليب المعايير والإعتبارات الشخصية والمحسوبية في اختيار القيادات الصحفية والإدارية والمالية بالمؤسسة " في المرتبة الثالثة، بوزن نسبي مرجح بلغ ( 80.2 % )، يليها " التمييز بين العاملين في المؤسسة في فرص العمل والترقي وفقا لتوجهاتهم السياسية والفکرية ومدى اقترابهم من النظام السياسي الحاکم " بوزن نسبي بلغ ( 77.1 % )، يليها "  الحصول على عمولات وحوافز عن أنشطة وهمية " بوزن نسبي بلغ ( 76.8 % )، ثم " التمييز بين العاملين في المؤسسة فيما يتعلق بالترقيات والعلاوات والمکافآت وفرص السفر المتاحة " بوزن نسبي بلغ ( 75.4 % )، تلاها " تعيين الأقارب والأصدقاء في الوظائف المتاحة دون وجه حق، بما يقف حائلا أمام الکفاءات في الحصول على فرصة حقيقية " بوزن نسبي بلغ (74.6% )، ثم يأتي بعد ذلک " الاستيلاء على المال العام دون وجه حق " بوزن نسبي بلغ (72.6 % )، تلاها " التوسع في تطبيق نظام الإسناد بالأمر المباشر لصالح بعض الشرکات بالمخالفة للقانون " بوزن نسبي بلغ ( 62.1%)، ثم " قبول الهدايا من الشرکات والهيئات بشکل يمس هيبة المؤسسة واستقلاليتها " بوزن نسبي بلغ ( 56.5 %) . وتؤکد اليانات والنتائج السابقة، أن المؤسسات الصحفية القومية تواجه أشکالا متعددة ومتنوعة من الفساد، تتخذ صورا متباينة، وأن هذا الفساد يتراوح في درجاته ومستوياته بين سرقة المال العام والاستيلاء المباشر عليه دون حق، مرورا بتغليب اعتبارات الثقة والمحسوبية في اختيارات القيادات الإدارية والتحريرية والمالية للمؤسسات، والحصول على مکافآت وحوافز عن أنشطة وهمية، والتمييز بين العاملين في الحصول العلاوات  والمکافآت وفي فرص الترقي و السفر وفقا لاعتبارات سياسية، وليس انتهاء بقبول الإدارة وضغوطها على الصحفيين لجلب الإعلانات من الهيئات والوزارات التي يعملون مندوبين لصحفهم بها، والتوسع في تطبيق نظام الإسناد بالأمر المباشر في تنفيذ الصفقات لصالح مؤسسات وشرکات بعينها، وهي قضايا فساد - لا شک - من شأنها أن تؤدي بالمؤسسات الصحفية القومية إلى ما آلت إليه أوضاعها الآن، وهو ما تکشف عنه مؤشرات تدهورها وتراجع أدائها على کافة المستويات .
وحول رؤية الصحفيين من أفراد عينة البحث لأهم الأسباب والعوامل التي تقف وراء شيوع ظاهرة الفساد وملفاته في کثير من قطاعات المؤسسات وإداراتها، فقد انتهت الدراسة إلى أن ثمة مجموعة من العوامل والأسباب التي تقف خلف زيادة معدلات الفساد في المؤسسات الصحفية القومية، يأتي في مقدمتها " نتيجة لغياب الشفافية وتراجع قيم المحاسبة والحوکمة داخل المؤسسة "، وقد جاءت في المرتبة الأولى بنسبة 71.2% من إجمالي أفراد العينة، تلاها  في المرتبة الثانية " ضعف دور أجهزة الرقابة وعدم التزامها بمهام مسئولياتها "، بنسبة بلغت 70.4%، ثم " نتيجة لغياب دور الجمعيات العمومية للصحف وتعطيلها عن القيام بمهام عملها وغلبة الطابع الشکلي عليها " بنسبة 69.6%، يليها " لسوء اختيار القيادات الإدارية والمالية وعدم وجود معايير موضوعية عادلة في عملية الاختيار " بنسبة 65.5%، ثم " لوجود علاقات مصالح بين الإدارة العليا للمؤسسة وبين قيادات هذه القطاعات " بنسبة 64% يليها " عدم اهتمام الإدارة بالرقابة على سير العمل بجوانبه التفصيلية " و " نتيجة لعدم وجود سياسة واضحة تحکم العمل وتحاسب على النتائج المتحققة "، بنسبة واحدة لکل منهما بلغت 42.3%، تلاهما " لعدم وجود أجهزة فنية مختصة بالرقابة والمراجعة داخل المؤسسة تستطيع أن تفهم بوضوح المسائل والتعقيدات الفنية " بنسبة بلغت 39.2% . وتشير هذه النتائج في تحليلها الأخير إلى وجود جملة من الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى تفاقم معدلات الفساد في المؤسسات الصحفية القومية، والتي تعکس فشل إدارات هذه المؤسسات وتربحها وتورطها في کل هذه الانحرافات، کما تشير أيضا إلى تزايد وعي وإدراک الصحفيين أفراد عينة البحث بهذه العوامل، خاصة ما يتعلق منها بتأثير غياب رقابة الدولة وأجهزتها على هذه المؤسسات، وتعطيل دور الجمعيات العمومية وسلطتها في محاسبة الإدارة والرقابة على الموزانات المالية للصحف، وکذلک ما يتعلق بفشل إدارات هذه المؤسسات في تطبيق قواعد المحاسبة والشفافية والحوکمة، وتورطها في علاقات مصالح ومنافع متبادلة جراء سيادة هذه المنظومة من الفساد، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى استمرار تزايد هذه الظاهرة وتمکنها من المؤسسات الصحفية والتأثير عليها سلبا على کافة المستويات الاقتصادية والإدارية والمهنية، وهو الأمر الذي يتطلب ثورة إصلاح إداري شاملة على أوضاع هذه المؤسسات وما يعتريها من مظاهر خلل وقصور، وما تعج به من ملفات فساد وانحرافات، إذا کانت ثمة نوايا حقيقية لإصلاحها وتطويرها وإعادة هيکلتها .
وفيما يتعلق برؤية الصحفيين العاملين في المؤسسات الصحفية، من أفراد عينة البحث، لمدى قيام القيادات الصحفية الحالية للمؤسسات القومية بتطوير أوضاع هذه المؤسسات وإعمال الرقابة على أدائها المالي والإداري مقارنة بالفترات السابقة، انتهت نتائج الدراسة الميدانية إلى أن نسبة 52% من إجمالي أفراد العينة يعتقدون ذلک إلى حدما، في حين ذکرت نسبة 18.4% منهم أنهم يرون تحقق ذلک إلى حد کبير، في حين ذکرت نسبة 29.6% المتبقية، أنهم لا يرون أي تغييرات في أداء هذه القيادات مقارنة بسابقيهم، وتشير البيانات والنتائج في تحليلها الأخير إلى أن ثمة شکوک لدى نسبة لا يستهان بها من الصحفيين في قدرة القيادات الصحفية الجديدة، من رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير والقيادات الإدارية والمالية والقيادات المعاونة، على إجراء تغييرات جذرية في أوضاع هذه المؤسسات، وفي القدرة على تطويرها وإصلاح جميع هياکلها، بالرغم من أن النسبة الأکبر منهم، ترى أن ثمة درجة ملحوظة من التغيير والتطور، قد شهدتها هذه المؤسسات في ظل قياداتها الجديدة، إلا أن واقع هذه المؤسسات وضخامة مشکلاتها والتحديات التي تواجهها، تفرض درجة من الصعوبة والمقاومة أمام کل محاولات الإصلاح ومواجهة الفساد، ومحاولات التغيير والتطوير عموما، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على الصحفيين ويثير لديهم المخاوف من عدم القدرة على التغيير والإصلاح والشک فيها، وهي مسألة وقناعات تبددها أو تدعمها ما سوف يحدث على أرض الواقع خلال المرحلة القادمة .

الكلمات الرئيسية