البدع في مکة في العصر المملوکي من خلال رحلة التجيبي السبتي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم التاريخ، کلية الآداب، جامعة طنطا.

المستخلص

فاق العرب – في ميدان الرحلة والکشف الجغرافي – غيرهم من الشعوب، إذ أصبحت الرحلات من أهم عوامل التواصل والارتباط بين أرجاء العالم الإسلامي المترامي الأطراف (1). والرحلات لم تکن جديدة على العرب، بل إنهم اعتادوا عليها منذ الجاهلية، فکانت قوافلهم التجارية تنقل البضائع من اليمن إلى الشام وبالعکس، سواء کان ذلک برا أم بحرا (2). ومع انتشار الإسلام وفتوحات المسلمين لمناطق واسعة، انفتحت أمام العرب المجالات الواسعة للرحلة، فجابت رحلاتهم مشارق الأرض ومغاربها، وربطت الأسواق الإسلامية بعضها ببعض سواء في المشرق أم في المغرب، وأصبح تجار المسلمين يرحلون إلى بلاد الهند والصين، کما أصبح تجار الأندلس يرحلون إلى أسواق المغرب والمشرق. ولم تکن التجارة هي الدافع الوحيد للرحلة عن المسلمين، بل تعددت أغراض الرحلات، فمنها ما کان لطلب العلم. إذ کان لاتساع العالم الإسلامي، وانتشار الإسلام في الأقطار المفتوحة أثر عظيم في قيام المراکز العلمية في البصرة، والکوفة، وبغداد، وبخاري، وسمرقند، ومرو، وسمرقند، وقوص، والفسطاط، والقاهرة، ومکة، والمدينة المنورة، وبلاد الشام، وغيرها من مدن العالم الإسلامي. ولذلک کان من الطبيعي أن ينتقل المسلمون من أوطانهم أو ديارهم سعيا لتحصيل العلم من منابعه ومراکزه العلمية على امتداد العالم الإسلامي. وبالإضافة للرحلة العلمية برزت الرحلة بغرض تأدية فريضة الحج وزيارة المسجد الحرام، والصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلک حرص طلاب العلم على الارتحال إلى الأراضي المقدسة. وتنوعت أغراض الرحلات، ومنها ما کان يجمع أکثر من غرض في الوقت نفسه، مثل الحج وطلب العلم (3). وتعد الرحلات مصدرا مهما من مصادر دراسة التاريخ، فالرحلة – تتميز عن غيرها من المصادر التاريخية – بأنها لا يکتفي صاحبها بنقل المعلومات عمن سبقه، بل يقوم بتحقيقها بنفسه، وتدوين ما شاهده بأم عينيه (4). ولذلک فمعلوماته تکون أکثر دقة ومصداقية. وکان معظم الرحالة المسلمين يحرصون على تدوين مشاهداتهم وملاحظاتهم على أسفارهم وعلى المسالک التي يمرون بها، وتدوين المسافات التي يقطعونها في تنقلاتهم بين المدن المختلفة، ووصف المدن وعمرانها وأهلها، وذکر الصعوبات التي يواجهونها في رحلاتهم، ومع الإشارة إلى بعض الحوادث التاريخية التي لم ترد في کتب التاريخ (4). الأمر الذي أضاف إلى معلوماتنا معلومات غزيرة، تتصف بالمصداقية العالية والدقة الشديدة، وما کنا نعرفها لولا هذه الرحلات. وتعد بلاد المغرب مکانا خصبا أخرج لنا عددا من أعظم الرحالة المسلمين (6). حيث تتميز رحلاتهم عن غيرهم من الرحالة المشارقة بدقة ما دونوه فيها من معلومات، ونقد ما احتاج منها إلى النقد، وتدوين صحيحها ورفض غريبها، يذکر أحد الباحثين المحدثين أن المغاربة هم أصحاب الفضل عن ظهور نوع من الرحلات، يعرف باسم ”الرحلات الحجازية” (7). وهي الرحلة التي کانت تشغل بال المغاربة لبعد بلادهم عن أرض الحجاز، وتدفعهم باستمرار إلى الرحيل باتجاه المشرق لتأدية فريضة الحج وطلب العلم (8). ولذلک کانوا مشغولين بتدوين کل ما يصادفهم في هذه الرحلات، لکي يکون نبراسا يهتدي به أقرانهم في رحلاتهم المقبلة إلى الحجاز (9). ولذلک تتابعت رحلات المغاربة باتجاه مکة وأرض الحجاز منذ فترة مبکرة، وقد أورد ابن خير الأشبيلي (10) في فهرسته، والمقري في نفخ الطيب أسماء عدد کبير من الرحالة والعلماء المغاربة الذين رحلوا باتجاه مکة والمدينة المنورة فيما بين القرنين الثالث والسابع الهجريين / التاسع والثالث عشر الميلاديين (11). ولعل أبرزهم قبل القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي ابن جبير (2) صاحب الرحلة الشهيرة، الذي حج في سنة 579هـ/1184م، وسجل رحلته في کتاب بعنوان ”تذکرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار”.أما في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، فقد استقبلت مکة عدد من رحلات المغاربة، أبرزها ثلاث رحلات، کانت أولاها لابن رشيد السبتي (13) الذي حج سنة 684هـ/1292م ودون رحلته في مصنف بعنوان ”ملء الغيبة فيما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مکة وطيبة”.وهناک أيضا رحلة أخرى کان صاحبها العبدري (14)، الذي حج سنة 689هـ/1297م، وسجل ما شاهده في رحلته المعروفة باسم ”رحلة العبدري”، أما الرحالة الأخير في هذا القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، فکان التجيبي السبتي الذي حج سنة 696هـ/1296م ودون رحلته في کتاب بعنوان ”مستفاد الرحلة والاغتراب”، وهي الرحلة التي يدور بحثنا عن البدع من خلالها. ولم تتوقف رحلات المغاربة إلى مکة بعد ذلک، بل أنها استمرت وقام بها عدد من أشهر الرحالة المغاربة، من أمثال هؤلاء الرحالة الشهير ”ابن بطوطة الطنجي” (15)، الذي حج في سنة 72هـ/1325م، ودون رحلته في کتابه الشهير ”تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” المعروف اختصارا باسم ”رحلة ابن بطوطة”. ومنهم أيضا الرحالة الشهير البلوي (16) الذي حج في سنة 738هـ/1337م، ودون رحلته في کتابه المعروف باسم ”تاج المفرق في تحلية أهل المشرق” وغيرهم (17).

الكلمات الرئيسية